ملخص الخطبة
1- الحكمة من مشروعية الصيام. 2- معنى التقوى ودرجات المتقين. 3- وصية الرسول ثم السلف الصالح بتقوى الله. 5- من صفات المنافقين الإسرار بالمعاصي.
الخطبة الأولى
أما بعد:
فلقد قال الله تبارك وتعالى في مبدأ آيات الصيام مبينًا أكبر وأعظم حكمه وأهدافه: يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون/
ولئن كانت للصيام فوائد وحكم بدنية واجتماعية إلا أن أكبر وأعظم حكمه على الإطلاق تقوى الله عز وجل.
وتقوى الله تبارك وتعالى هي وصيته للأولين والآخرين. قال الله تبارك وتعالى في سورة النساء في الآية الحادية والثلاثين بعد المائة في وصيته للأولين والآخرين بتقواه: ]ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله[i
فما هي التقوى؟ التقوى: هي أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقاية تقيه منه, وتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه منه بفعل الطاعات واجتناب المعاصي, قال الله تبارك وتعالى في سورة المدثر: [i]هو أهل التقوى وأهل المغفرة[im], هو أهل أن يُجل ويُخشى ويُعظم في صدور عباده حتى يعبدوه ويطيعوه, وقال في سورة آل عمران: [iويحذركم الله نفسه[i], وقال في سورة الحشر: يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغدوقال:]واتقوا الله الذي إليه تُحشرون[i], هكذا قال في سورة المائدة: واتقوا الله الذي إليه تحشرون مرجعكم ومآبكم إليه سبحانه, فاتقوه.
وأحيانًا تضاف التقوى إلى العقاب ومكانه وزمانه: أمّا مكان العقاب فهو النار, وأما زمانه فهو يوم القيامة, ففي تقوى العقاب ومكانه يقول الله تبارك وتعالى:واتقوا النار التي أعُدت للكافرين, ويقول في موضع آخر: [i]فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة[], وفي زمان العقاب الذي هو يوم القيامة يقول في آخر آية نزلت من القرآن على الصحيح ـ وهي آخر عهد الأرض بالسماء في الآيات والقرآن المنزّل ما هي؟ ـ [i]واتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون[i].
فالتقوى الكاملة هي أن يتقي العبد المحرمات والشبهات, وربما دخل فيها فعل المندوبات وترك المكروهات, وهذه أعلى درجاتها, أعلى درجات التقوى أن تجمع فيها بين فعل الواجبات وترك المحرمات والشبهات, وأن تقبل على المستحبات والمندوبات, لا تترك شيئًا مستحبًا, وأن تترك المكروهات.
لكن كثيراً من الناس يتساهلون تساهلاً شديدًا في أمور ينظرون إليها على أنها من المكروهات, يسألون عن الأشياء التي تعِنُ لهم وتعرض لهم فإن قيل: إنه مكروه تساهلوا في شأنه وفي أمره, وقالوا: المكروه لا يوجب عقابًا, بل يوجب الحرمان من الثواب, ما هذا الزهد في طاعة الله تبارك وتعالى وفي ثنائه ومغفرته ورحمته وإحسانه, يقبل الناس على الأشياء لأنها لا توجب عقوبة فقط, توجب الحرمان من الثواب, ويقولون ليس هذا الأمر محرمًا إنما هو مكروه فحسب, ليس هذا من تقوى الله عز وجل, بل إن الفقهاء أحيانًا يعبرون عن المحرمات بلفظ أكرهه, وبلفظ مكروه, فالكراهة ليست بالأمر الذي يُستهان به يا عباد الله, ولماذا تفعلون ما يكرهه ربكم وخالقكم وموجدكم, وفي حق البشر الذين تجلونهم وتعظمونهم لا تفعلون إلا ما يدخل أعظم المسرات على قلوبهم؟ لماذا؟! لماذا تجعلون الله أهون الناظرين إليكم؟!
قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: "يُنادى يوم القيامة أين المتقون؟ فيقومون في كنف الرحمن لا يحتجب منهم ولا يستتر, قالوا له: من المتقون؟ قال: قومٌ اتقوا الشرك وعبادة الأوثان وأخلصوا لله بالعبادة".
وقال عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ: "ليس تقوى الله بصيام النهار وقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك, ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله, فمن رزق بعد ذلك خيرًا فهو خير إلى خير".
ليس تقوى الله أن يصوم العبد نهاره ويقوم ليله، ويخلط فيما بين ذلك, يُقبل على المعاصي والمحرمات ثم هو قبلها وبعدها يصوم ويقوم, إنما تقوى الله تبارك وتعالى ترك ما حرم الله وأداء ما افترض.
وقال طلق بن حبيب: "التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجوا ثواب الله, وأن تترك ما حرم الله على نور من الله تخاف عقاب الله.
وقال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ: "لا زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرًا من الحلال مخافة الحرام", لم يرتكبوا مثلنا المحرمات ويستبيحونها ويبررون لها بالمبررات, ويطلبون الفتاوى التي تؤيد ارتكابهم لها, ويبحثون عنها بحثًا, فإن لم يجدوها برروا ذلك بأن الله غفور رحيم
منقول